الأحد، 28 أكتوبر 2012

عبر بحماسة عن حبك للآخرين



لا أدري أين قرأت في بداية صباي عبارة تقول: إذا أردت النجاح عليك بمحبة الآخرين.
وبالتأكيد كلنا نحب النجاح. وآمنت بهذه المقولة لسبب مصلحي كما ترون في البداية إلا أنها وكلما تقدم بي العمر تزداد رسوخا رغم إن النجاح قد ولى إلى الأبد .
إلا أني في بداية شبابي قرأت كتاب ديل كارينجي "كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس". هذا الكتاب الذي تقول القاعدة التاسعة فيه: لا يكفي أن تحب الآخرين عبّر عن حبك لهم بحماس ستكون أكثر قربا من قلوبهم. وكما تعلمون لا أحد لا يريد أن يكون أكثر قربا من قلوبهم أي الآخرين.
وآمنت إيماناً شديداً بهذه المقولة إذ كلما أحببت شخصاً "وأنا لم التق شخصا قط لم أحبه" عبرت عن حبي له بحماسة شديدة، إلا إني في كل مرة اكتشف أن هذا يجر عليّ الاحتقار والازدراء والمشاكل على الأقل ولكم بعض الأمثلة:
مرة أرسلت رسالة لأديب كبير أشيد بها بأدبه ومبدياً إعجابي بما تخط أنامله العظيمة ومستغربا أشد الاستغراب إن جائزة نوبل لم تتشرف به حتى الآن.. وجاءني منه رد قصير يقول: أيها الحقير لو لم تكن نكرة لما سخرت مني...
مرة أخرى في إحدى أمسيات الشعر انفعلت مع احد الشعراء، وكان يلقي قصيدة حديثة وصفقت بحدة صائحاً الله اكبر هذا هو الإبداع وإلا فلا ..
فقام شخص من الصفوف الأولى، وقال لي لو سمحت تعال معي، وقمت معه دون تردد و بعد أن أصبحنا خارج المدرج، امسكني من كتفي، وجرني كهدم متسخ، ولولا أني انتفضت و صحت به: نزل إيدك.. واعرف مع مين تحكي! قسما بالله ستندم على الساعة التي ولدت فيها!!...
فارتعد ولم يجرؤ أن يسألني مين حضرتك؟ إذ كانت هذه الجملة في ذلك الحين كافية لان تجعل أضخم شخص يرتعد، وبدلا من ذلك قال لي عفوا يا أستاذ مشان الله لا تواخذنا والله والله أنا عبد مأمور والله ما عرفتك. مشيت ممتعضاً قبل إن يكشف أمري شخص حقيقي من جماعة  اعرف مع مين تحكي

ومرة كتبت لأحد الشعراء الصغار"سناً طبعا" وكان قد نشر قصيدة قصيرة في بريد القراء بإحدى الجرايد التي لا يقرأها أحد غيري على ما أظن.. لو أن بابلو نيرودا قرأ قصيدتك التساؤلية لأحجم عن نشر كتاب التساؤلات. فأجابني: أنه لو يعلم أن أمثالي سيقرؤون له لما كتب ما كتب! وأمثالك هذه شتيمة يستخدمها المثقفون بكثرة وكان هذا الرد لطيفا مقارنة مع ردود أخرى لا يجدر أن اذكرها وأنا أكتب لجريدة تقرأها العائلة !

هذه مشكلتي أني اعبر عن انفعالاتي بسرعة معتقداً إن التعبير عن الحب للآخرين سيقربني منهم حسب القاعدة التاسعة من كتاب ديل كارينجي .

وأذكر أن إحدى الزميلات في الجامعة، وكنا نشارك سوية في الأمسيات الشعرية، كانت تردد انها تتأثر بكتاباتها بشعري!! فكتبت لها ذات يوم إهداء على كتاب شعر لأحد رواد الحداثة العربية وأهديته إياها، وكان الإهداء بخط مخربش لكنه واضح "إن هذا الشاعر تأثر بمجمل الشعر والتراث العربي والغربي وجزء من العالمي.. وكتب ما كتب، وأنا تأثرت به ولم يعجب شعري أحد غيرك، فماذا ستكتبين أنت.. أنت؟" وكان دافعي الحرص على تجربتها الشعرية طبعا!! ستخمنون طبعاً انه آخر لقاء بيننا، وأني أصبحت بعدها "هذا الذي يكتب تفاهات"
آخر سلسلة عبّر بحماسة عن حبك للآخرين أني قرأت مرة لكاتبة عربية مقالاً حول هذه النظرية فكتبت لها مبديا إعجابي بما كتبت وإيماني الشديد بهذه المقولة.. ونوهت لها أن لا تعتبر هذا الكلام إحدى الطرق الملتوية للتعرف عليها.. أو انه مديح مجاني.. أو غزل مبطن إذ أن هذا الأمر قد قام به وزراء سابقون أو حاليون أو رؤساء تحرير أو على الأقل مسؤولون من الدرجة الأولى أين أنا منهم.. وكان ردها شديد التهذيب إذ كتبت لي:
"إن معرفتي بالأدب والأدباء تجعلني اشك أن قلة الأدب هذه تصدر عن شخص يدعي انه يكتب الأدب!!! "
طبعا لا أطمح من وراء حبي للآخرين أن تخرج قريتي الصغيرة كاملة في تشييعي كما خرجت أمريكا في تشييع الممثل الأمريكي وليم روجرز، القائل الأساسي لمقولة "لم التق إنسانا قط لم أحبه".. بل اطمح بما دون المائة، وهو عدد يرضي طموحي، إذا قارنت نفسي بالجواهري العظيم الذي لم يخرج في جنازته سوى بضع مئات، وقد كان مؤمنا بهذه المقولة إلا انه لم يكن يحب صداما وهذه كانت أم المشاكل بالنسبة له.
خلف علي الخلف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اترك تعليقك هنا